العنوان نظرية جديدة في العروض العربي بين أحمد مستجير وزكي عبد الملك

Citation
, XML
المدونون

هل كانت صدفة أن يخرج علينا عالمان عربيان جليلان بنظريتين في العروض العربي في عام واحد؟ إحدى النظريتين كانت للدكتور أحمد مستجير، رحمه الله ، في كتابه الموسوم بـ ” في بحور الشعر ، الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي” الصادر عن دار غريب للطباعة بالقاهرة عام 1980 م وكان وقتها أستاذا في كلية الزراعة بجامعة القاهرة . والأخرى للدكتور زكي عبد الملك، وهو إذ ذاك أستاذ للغة في جامعة Utah بالولايات المتحدة، في كتابه الذي نشر بأعداد مجلة اللسان العربي ابتداء منذ عام 1980م وحتى عام 1996 م بعنوان “Towards a New Theory of Arabic Prosody ” .
هاتان النظريتان تلتقيان في الفكرة التي انطلقا منها ثم تفترقان بعد ذلك في وجوه من التحليل متباينة. وسأحاول ، على مدى الأيام القادمة ، عرض هاتين النظريتين والمقارنة بينهما مع بيان أثرهما على تطور البحث العروضي الحديث .
إن الفكرة التي انطلق منها د. مستجير ( ولا يعني هذا أنه الأسبق ) تتمثل في افتراضه أن بحور الشعر مستخلصة أساساً من عدد من الأسباب الخفيفة ، يبلغ اثني عشر سبباً يمكن تقسيمها إلى ثلاث تفعيلات رباعية على وزن ( مفعولاتن )، أو إلى أربع تفعيلات ثلاثية على وزن ( مفعولن ). ومن ثم وضع لنا الشكل الأساسي القاعدي للشطر ذي التفعيلات الرباعية على النحو التالي :
مفعولاتن مفعولاتن مفعولاتن
وللشطر ذي التفعيلات الثلاثية الأربع الشكل :
مفعولن مفعولن مفعولن مفعولن
وعلى نحو من ذلك يبني د. عبد الملك مستوى نظريا من هاتين التفعيلتين اللتين يسميهما ( فاعولاتن ) و(فاعولن ) ، ويرمز للأولى بالرمز (أ) وللثانية بالرمز (ب) . ثم يضع قاعدتين لهذا المستوى النظري هما :
1-  أن الشطر يتألف من تفعيلتين أو ثلاث أو أربع تفعيلات.
2-  يتميز كل شطر بالتكرار النمطي للتفعيلة ( أ) أو ( ب) أو لكليهما.
ويأخذ هذا التكرار الأنماط الأربعة التالية للوزن ، وهي :
أ‌التكرار المحض Mere repetition  (أ أ أ أ ) ـ ( أ أ أ ) ـ ( ب ب ب ) ـ ( ب ب )
فاعولن فاعولن فاعولن فاعولن
فاعولن فاعولن فاعولن
فاعولاتن فاعولاتن فاعولاتن
فاعولاتن فاعولاتن
ب‌- التكرار المنقطع : Interrupted repetition   ( ب أ ب )
فاعولاتن فاعولن فاعولاتن
ت‌- التكرار الملحق  :Supplemented repetition   ( ب ب أ )
فاعولاتن فاعولاتن فاعولن
ث‌التبادل    : Alternation  ( أ ب أ ب ) ـ ( ب أ ب أ )
فاعولن فاعولاتن فاعولن فاعولاتن
فاعولاتن فاعولن فاعولاتن فاعولن
ويرى الدكتور عبد الملك أن الأنماط الثلاثة الأولى تفتقر إلى الأوزان التالية :
 ( أ أ ) ، ( ب ب ب ب ) ، ( أ ب أ ) ، ( أ أ ب )
كما يلاحظ أن ثلاثة من تلك الأوزان المفقودة هي من طائفة الأوزان التي تدخل في بنائها التفعيلة (أ) بأكثر مما تدخل التفعيلة (ب) ؛ مما يدل على أن الشعر العربي يفضل تلك الأوزان التي يغلب على بنائها التفعيلة (ب) .  وأما غياب النسق ( ب ب ب ب ) عن الاستعمال فيرجع، كما يقول، إلى فرط طوله، ” ذلك أن النسق الرباعي التفاعيل يمثل الحد الأقصى للطول، فما بالك إذا كان هذا النسق مؤلفا من التفعيلة ( ب ) وهي أكبر التفاعيل” !
ومن ناحية أخرى يلاحظ د. عبد الملك أن التكرار المحض يتطلب وجود تفعيلتين كحد أدنى ، بينما يتطلب التبادل أربع تفعيلات ، في حين تبلغ متطلبات كل من النوعين الآخرين ثلاث تفعيلات على الأقل .

 إذن ، تم وضع الأساس النظري عند كل من مستجير وعبد الملك ، كما سبق إيضاحه ، وبقي لإتمام عملية توليد البحور generation الانتقال إلى مستوى أخر يطلق عليه د. عبد الملك مستوى البحور القياسية standard meters .
وتتم عملية توليد البحور عند مستجير من خلال ثلاث عمليات بسيطة يجريها على نموذجيه من التفاعيل الرباعية والثلاثية ، وهي عمليات الحذف والتحريك والمزج .
أما الحذف هنا فهو حذف ساكن مقطع معين من التفعيلة الرباعية أو الثلاثية ( يطلق عليه اسم السبب المميز ) فتنتج له من نموذج شطر التفاعيل الرباعية البحور القياسية التالية:
    1- الهزج : مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
    2- الرمل : فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
    3-  الرجز : مستفعلن مستفعلن مستفعلن
    4-  الدوبيت : مفعولاتُ مفعولاتُ مفعولات
    ومن شطر التفاعيل الثلاثية، هذه البحور الثلاثة :
  5- المتقارب : فعولن فعولن فعولن فعولن
  6-  المتدارك : فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن
  7-  شوقي : مفعولُ مفعولُ مفعولُ مفعول
ويلاحظ أن الدوبيت وشوقي ليسا بحرين قياسيين من بحور الخليل.
وأما عملية التحريك فتجري على بحرين قياسيين هما الهزج والرجز، فإذا حرك ساكن المقطع الثالث من الهزج نتج بحر الوافر
  8-  مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
وإذا جرى تحريك ساكن المقطع الأول من الرجز نتج بحر الكامل
  9- متفاعلن متفاعلن متفاعلن
وأما عمليات المزج التي ينتج عنها ما أسماه بالبحور المختلطة، تمييزا لها عن البحور الصافية التي تنتج من خلال عمليتي الحذف والتحريك ، فتجري على البحور القياسية الأربعة الأولى ، وهي الهزج والرمل والرجز والدوبيت بناء على القاعدة التالية :
لا يجوز عند استخلاص البحور المختلطة أن يتلو التفعيلة في أي بحر ( مولّد ) إلا التفعيلة السابقة أو اللاحقة لها في الترتيب . وترتيب التفاعيل الرباعية هو : مفاعيلن – فاعلاتن – مستفعلن – مفعولات ” .
وقد تم له من خلال هذه العملية إنتاج عدد كبير من البحور القياسية معظمها مما عده الخليل مهملا .
فبحر المطرد ينشأ بإحلال تفعيلة الرمل الأولى محل نظيرتها من بحر الهزج، وبحر المجتث بإحلال تفعيلة الرجز الأولى محل نظيرتها من بحر الرمل، وبحر المتضب التام بإحلال تفعيلة الدوبيت الأولى محل نظيرتها من بحر الرجز، وذلك على النحو التالي:
    10- المطرد : فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن
    11- المجتث : مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن
    12- المقتضب: مفعولات مستفعلن مستفعلن
هذا بالنسبة للتفعيلة الأولى ، وأما الثانية، حين تحل محل نظيرتها من البحر السابق لها، تنتج عنها البحور التالية :
    13-   المضارع : مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن
    14-    الخفيف : فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
    15-   المنسرح : مستفعلن مفعولات مستفعلن
أما بالنسبة للتفعيلة الثالثة، حين تحل محل نظيرتها من البحر السابق عليها، فتتولد البحور القياسية التالية:
    16- المنسرد : مفاعيلن مفاعيلن فاعلاتن
    17-  المتئد : فاعلاتن فاعلاتن مستفعلن
    18- السريع : مستفعلن مستفعلن مفعولات
ثم ينتقل الدكتور مستجير في عملية توليد البحور إلى اتجاه معاكس ؛ فبالنسبة للتفعيلة الأولى، حين تحل محل نظيرتها من البحر التالي، تنتج البحور التالية :
   19- بحر غير معروف : مفاعيلن فاعلاتن فاعلاتن
   20- بحر غير معروف : فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
   21- بحر غير معروف : مستفعلن مفعولات مفعولات
    وقد رأى لهذا البحر الأخير شاهدا من موشح التطيلي ، وأوله :
أنت اقتراحي … لا قرب الله اللواحي
من شاء أن يقول فإني لست أسمع
خضعت في هواك وما كنت لأخضع
إلا أن الدكتور أحمد كشك، في كتابه ” محاولات للتجديد في إيقاع الشعر، اعترض على هذا الرأي، لكننا سنؤجل النقد لحين الانتهاء من عرض آراء الباحثين.
ويستمر د. مستجير في عملية توليد البحور على هذا النهج فيحل التفعيلة الثانية محل نظيرتها من البحر التالي، وتنتج له البحور الثلاثة التالية، وهي غير معروفة كلها :
   22-  فاعلاتن مفاعيلن فاعلاتن
   23-  مستفعلن فاعلاتن مستفعلن
   24-  مفعولات مستفعلن مفعولات
وقد رأى أن البحر (23 ) يمكن بشيء من التحوير أن يوافق وزن بحر ” الكان وكان “، أما البحر (24 ) فيقترح اعتباره بحر السلسلة ( شقيق الدوبيت).
فأما إذا حلت التفعيلة الثالثة محل نظيرتها من البحر التالي ، تولدت البحور الثلاثة التالية :
  25-  مجزوء المديد : فاعلاتن فاعلاتن مفاعيلن ( مع حذف المقطع الأخير، وهو كما يرى تحوير جائز )
  26-  بحر السريع : مستفعلن مستفعلن فاعلاتن ( وهو غير بحر السريع الخليلي، فهذا هو الأصح )
  27-  مفعولات مفعولات مستفعلن ( وهو بحر غير معروف الآن، كما يقول،لكنه يحدد لنا دليله الرقمي 4 – 8 – 11 فلعله يكون كدليل مندلييف في الجدول الدوري للعناصر ).  والأرقام في هذا الدليل تدل على ترتيب السبب المميز في نسق البيت.
أما عن إمكانية المزج بين البحور ذوات التفعيلة الثلاثية ؛ فيرى أن ” العدد المعروف الناتج عنها محدود للغاية، لا يتجاوز ثلاثة بحور، لها جميعا أربعة عشر حرفا متحركا، أي أنها جميعا تحتاج لأن يذيل ناتج المزج بسببين ” .
أما هذه البحور الثلاثة التي تتولد من خلال المزج فهي :
   28- الطويل : فعولن فعولن فاعلن فاعلن ( مفعو )
        و (مفعو) هذه زيادة من عنده ليستقيم له عدد مقاطع البحر، كما هو الحال في البحرين التاليين ، وهما مهملان.
   29-  الممتد : فاعلن فاعلن مفعول مفعول ( مفعو)
   30-  المستطيل : فعولن فاعلن فاعلن مفعول ( مفعو)
  هذه إذن بحور مستجير التي ولدها من خلال القواعد الثلاثة التي ذكرناها ، وهي الحذف والتحريك والمزج. ولم يذكر البسيط من بين

    هذه البحور الثلاثين، وإنما اعتبره شكلا من “بحر المجتث ولا يحتاج إلى إفراد اسم له ” . فشطر البسيط التام عنده هو :
    مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن (مس )
   وهو تقطيع المجتث مذيلا بسبب. وأما تقطيع شطر مجزوء البسيط فهو :
   مستفعلن فاعلاتن فاعلا
   أي بحذف ( تن) من آخره .

المستوى الثاني – البحور القياسية
والمبدأ الذي يسري على هذا المستوى هو أن التكرار النمطي للمقاطع الطويلة والقصيرة في الشطر يعد سبباً في حدوث الوزن، وعليه فلا بد من تعديل الأوزان النظرية ، وفقا لهذا المبدأ، بأن يتم تقصير مقاطع معينة منها .
ويضع د. زكي عبد الملك قواعد لهذا التقصير يسميها ” قواعد التقصير القياسي” the rules of standard reduction نعرضها فيما يلي:
 1-  إن كل تفعيلة في الوزن النظري المعين تخضع للتقصير المقطعي. وهذا التقصير إما أن يقع في بداية التفعيلة أو في وسطها (في حالة التفعيلة الرباعية ، من الممكن أن يؤثر التقصير المقطعي على أي من المقطعين المتوسطين). وليس ثمة تقصير للمقطع الأخير في التفعيلة خاص بهذا المستوى؛ ذلك أن للمقطع القصير تأثيره الإيقاعي البارز حين يتلوه مقطع طويل في نفس المجموعة المحسوسة ( وفي هذا السياق، يضفي المقطع القصير قدرا من البروز على المقطع الطويل)  .  
 2-  إن التقصير المقطعي الابتدائي والمتوسط يمنع أحدهما الآخر mutually exclusive ، بمعنى أنهما لا يحدثان في نفس التفعيلة معاً، ولا في تفعيلات أخرى بالبحر النظري نفسه . ولذا يكون التقصير في مواضع متشابهة من التفعيلات جميعها في الشطر المعين .
أ‌- إن التقصير المقطعي الابتدائي ، من حيث التعريف، يقع بشكل متطابق مع كل تفعيلات الشطر المعين .
ب‌في معظم الحالات ، يتم جعل التقصير المقطعي المتوسط متطابقا في كل تفعيلات الشطر المعين ، فإن لم تكن الحالة كهذه في شطر ما، عندئذ تكون التفعيلات التي تختلف مواقع التقصير المتوسط فيها متجاورة ، في حين يكون التقصير متطابقا بين التفعيلات غير المتجاورة.
وعلى ذلك تعد الأنساق الواردة في ( أ )، أدناه ،ممكنة وأما التي في ( ب ) فلا تعد كذلك .
(أ) ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ب ــــ | ــــ ب ـــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ

(ب) ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
إن الدرجة القصوى من التطابق هي حيث يكون التقصير المقطعي متطابق الوضع في تفعيلات الشطر كلها، وعليه فسوف نطلق على هذه الدرجة من التطابق مسمى ” التطابق القياسي ” standard congruence .
 3-  وإجراء عملية التقصير في ( فاعولاتن ) ينتج عنه ( فعولاتن ) . ولأن (فعولاتن) هذه تنتهي بثلاثة مقاطع طويلة فإن النسق  (فعولاتن فعولاتن) يبدو رتيبا؛ بيد أن النسق ( فعولاتن فعولاتن فعولاتن ) يبدو أكثر رتابة. ولذا يتم تجنب النسق ( فعولاتن فعولاتن )اختياريا ، في حين يكون تجنب النسق (فعولاتن فعولاتن فعولاتن) إجباريا وذلك عن طريق تغيير كل من المقطعين الأول والثالث لفعولاتن (بدلا من الأول فقط) عبر أحد هذين السبيلين:
( أ ) ــــ ــــ ــــ ــــ [ تصير] بب ــــ ب ــــ ( فاعولاتن[تصير] ففعولتن)
( ب) ــــ ــــ ــــ ــــ [ تصير] ب ــــ بب ــــ ( فاعولاتن[تصير] فعوللتن)
وينبغي هنا التأكيد على أن استبدال المقطع الطويل بمقطعين قصيرين لا يعد من باب التقصير ؛ لأن للمقطع الطويل، تقريبا، نفس المدة الزمنية التي لمقطعين قصيرين متواليين. وعلى ذلك يبقى التقصير المقطعي لبداية التفعيلة ووسطها أحدهما حاجبا للآخر.

ملاحظات على القواعد :
 1-  كنا أشرنا فيما سبق إلى أن البحور العربية تؤثر جانب التفاعيل الطويلة أكثر من القصيرة ، ولعل السبب يبدو واضحا في ضوء القواعد السابقة؛ فحين تطبق قواعد التقصير النمطي نجد أن التفاعيل الطويلة تنتج أشكالا أكثر من تلك التي تنتجها التفاعيل القصيرة، كما يلي:
ــــ ــــ ــــ ــــ [ تصير] ب ــــ ــــ ــــ ، ــــ ب ــــ ــــ ، ـــــ ـــــ ب ــــ ، ( ب ــــ بب ــــ ، بب ــــ ب ــــ )
ــــ ــــ ــــ ــــ [ تصير] ب ــــ ــــ ، ــــ ب ــــ
ويلاحظ أن الشكلين ما بين القوسين تنتجهما القاعدة الثالثة من قواعد التقصير النمطي.
وهكذا، ترى النسق النظري المبني من التفعيلة (أ) ينتج مجموعة صغيرة من البحور القياسية (أي أن المجموعة تتألف من عدد قليل نسبيا من الأوزان) .
ولأن الأنساق المبنية من التفعيلة ( ب ) هي المهيمنة على نطاق المستوى الأول صارت المجموعات الصغيرة من البحور القياسية أقل مما ستكون عليه، وبعبارة أخرى ، فإن بحور الشعر العربي ، بفضل هذه الهيمنة ، تميل من ناحية بنائية لتشكيل عدد قليل من المجموعات الكبيرة .
 2-  إن نسبة 76% من البحور التي تنتجها القواعد السابقة تتوفر شواهد لها في الشعر العربي ، بينما تعد النسبة الباقية، وهي 24% ، ممكنة بالقوة لا بالفعل، أي كامنة potential . وقد اشتملت نسبة الـ 76% هذه على جميع البحور التي جاء بها الخليل ما عدا ثلاثة منها ، وكذلك فهي تشتمل على البحر الذي زاده الأخفش.
(أ)
 1-  المتقارب ب ـــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ
المتدارك ـــ ب ـــ | ــــ ب ــــ | ـــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
 2-  مجزوء المتقارب ب ـــ ــــ | ب ـــ ـــ | ب ــــ ــــ
مجزوء المتدارك ـــ ب ـــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
 3-  الرجز ـــ ـــ ب ــــ | ـــ ـــ ب ـــ | ــــ ــــ ب ــــ
الكامل بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ
الخفيف ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ

* بحر كامن latent ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
الرمل ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ـــــ ب ــــ ــــ
*
بحر كامن ب ــــ بب ــــ | ب ــــ بب ــــ | ب ــــ بب ــــ
4-
الهزج ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ـــــ ــــ
مجزوء الوافر ب ــــ بب ــــ | ب ــــ بب ــــ
مجزوء الرجز ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
مجزوء الكامل بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ
المجتث ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
مجزوء الخفيف ـــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
مجزوء الرمل ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ

( ب )

المديد ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
مجزوء البسيط ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
**
بحر إضافي additional ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ـــــ

( ج )

الوافر ب ــــ بب ــــ | ب ــــ بب ــــ | ب ــــ ــــ
الرمل ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ـــــ | ــــ ب ــــ
السريع ـــــ ـــــ ب ــــ | ـــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
**
بحر إضافي ب ـــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ
*
بحر كامن بب ـــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ | ب ــــ ــــ
**
بحر إضافي ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
*
بحر كامن ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ

 ( د )

 1-  الطويل ب ـــ ــــ | ب ـــ ـــ ـــ | ب ـــ ـــ | ب ــــ ــــ ــــ
 2-  البسيط ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ـــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
*
بحر كامن ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ـــــ ب ــــ ــــ
*
بحر كامن ــــ ب ــــ | ـــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ـــــ ــــ ب ــــ
*
بحر كامن ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ـــــ | ب ــــ ـــــ ــــ | ب ــــ ــــ
*
بحر كامن ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ـــــ

 3-  وبشكل عام ، فإن البحور القياسية التي يعوزها التطابق ليست شائعة الحدوث نسبياً ؛ وهذا ما يفسر قلة ذيوع

 المجتث ( ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ـــ ) ذلك الوزن الذي استخدم بنسبة 2% من الشعر العربي القديم ، وبنسبة 3% من الشعر العربي الحديث. وهو ، كذلك ، ما يفسر كمون هذا البحر في الشعر العربي القديم : ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
 4- لا يزيد عدد المقاطع القصيرة المتعاقبة في البحر القياسي عن مقطعين، ولا عدد المقاطع الطويلة عن أربعة . ولا يمكن أن يكون خلافا لما هو عليه الوضع بالنظر إلى شكل التنميط الموجود بالمستوى الثاني ( أي: تماثل مواضع التقصير المقطعي في التفعيلات كلها ) ، أو البحور النظرية الموجودة بالمستوى الأول؛ ذلك أن تعاقب المقطعين القصيرين ينشأ عبر القاعدة الثالثة للتقصير القياسي، كما أن تعاقب أربعة مقاطع طويلة يمكن أن ينشأ حين لا يمكن للتقصير المتوسط أن يقع بشكل متطابق في تفعيلتين نظريتين طويلتين ومتجاورتين .

ملاحظات على البحور القياسية:

 1-  أشرنا في قائمة البحور القياسية للكامن منها بنجمة واحدة ، وبنجمتين للبحور التي تقع في الشعر العربي القديم ولكنها تحتسب ضمن المغايرات في نظرية الخليل ( وقد أطلقنا عليها لقب “الإضافي” من حيث أنها يجب أن تضاف إلى قائمة الخليل للبحور القياسية ).
 2-  وفي الشعر القديم ، موضوع هذه الدراسة، يعتبر وجود بحري المضارع ( ب ـــ ـــ ـــ | ـــ ب ـــ ـــ ) والمقتضب ( ـــ ـــ ـــ ب ـــ ـــ ب ـــ ) شبه معدوم. ومما يُروى عن الأخفش أنه عد هذين البحرين دخيلين على الشعر العربي، وكذلك فإن أيا من هذين البحرين لا يمكن له أن ينشأ عبر قواعد التقصير القياسي .
وكذلك لا ينشأ بحر المنسرح ( ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ــــ ــــ ب | ـــ ـــ ب ـــ ) عبر قواعد التقصير القياسي أيضا ، فكما سنرى في المستوى الثالث يمكن اعتبار المنسرح مغايرا variant للبحر الكامن ( ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ـــ ب ـــ ) ، ويؤكد ذلك أن المغايرين المتبادلين بشكل شائع مع التفعيلة الوسطية للمنسرح، وهما ( ـــ ب ـــ ب ، ب ب ـــ ب )، يمكن توليدهما عبر التفعيلة   (ـــ ب ـــ ـــ) .
 3-  وبالنسبة للبحور القياسية : المجتث ، والمديد ، والوافر ، والسريع فقد عين الخليل لها نماذج غير تلك المعطاة من قبلنا ، وهي نادرا ما تحدث، ذلك إن حدثت فعلا، في الشعر العربي القديم في حين تعد الأشكال المثبتة هنا شائعة الحدوث. وبالأخذ في عين الاعتبار ندرة ، أو عدم وجود ، ذلك النموذج أو “الأصل” فقد وجد الخليل نفسه مدفوعا إلى ذلك من خلال إطار نظريته وليس من خلال شيوع الوزن. إن من المقبول تماما أن نفترض أنساقا نظرية تؤدي إلى بحور فعلية، غير أن مثل هذا الافتراض لا يجب أن يحدث في مستوى تكون فيه الانساق، بوضوح، بحورا فعلية لا نظرية.
 4-  وإن لم يكن البحر القياسي بأكمله مؤلفا من تفاعيل متطابقة، فإنه على الأقل ما يكون مشتملا على تفعيلتين متطابقتين في العادة . وربما كان هذا ما يفسر كمون البحر البحر القياسي ( ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ب ـــ ) في الشعر العربي القديم .
 5-  ولا يكون البحر القياسي مفضلا إذا رتب على نحو مختلف، وكانت تفاعيله ، كلها أو بعضها ، يمكن أن تؤلف بحرا قياسيا آخر.
من بين كل بحرين، أدناه، يعد الأول منهما نادرا بسبب من هذا القيد .
المديد : ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
الرمل : ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ 
السريع: ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ
مجزوء البسيط: ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ  

وفي القائمة ، أدناه ، ثمة أربعة أزواج من البحور ؛ وفيها يعد البحر الأول من كل زوج كامنا بحيث أن تفاعيله، كلها أو معظمها، إذا جرى ترتيبها على نحو مختلف تألف منها البحر الثاني .
بحر كامن : ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
الرمل : ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ

بحر مهمل: ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
البسيط : ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ

بحر مهمل: ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ
الطويل : ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ

بحر مهمل: ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ـــــ | ــــ ب ــــ
الرمل : ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ
وبالنظر في هذه الأزواج ، ما الذي يحدد لنا ذلك الفرد المفضل من كل منها ؟
على الأقل ، ففي معظم الحالات ، تبدو درجة التماثل المقطعي المتضمنة هي الإجابة على ذلك التساؤل ؛ فالفرد الذي يكون فيه التماثل المقطعي syllabic symmetry أكبر من نظيره ، يعد هو المفضل .
إن أنماط التماثل المقطعي المشار إليها في المناقشة التالية هي : الدورية periodicity ، ونمط من التوازن المقطعي يمكن تعريفه على النحو التالي:
بدءا من أقصى طرفي النسق والتحرك من ثم نحو المنتصف، نجد أن المقاطع المتناظرة متطابقة فيما يتعلق بملمح الطول ( يمكن أن يكون الوسط صفرا أو مقطعا واحدا)  .
( أ ) ينتشر التوازن المقطعي في كامل النسق (2) أدناه ، ولكنه في النسق (1) يقتصر في ذلك على الجزء الذي يسبق الخط المائل فيه. وبالإضافة إلى ذلك فهناك دورية كبيرة في النسق (2) بأكثر مما هي في النسق (1)؛ فكل مقطعين قصيرين في النسق (2) يفصلهما نفس العدد من المقاطع الطويلة، غير أن تلك ليست هي الحال في النسق (1) ، ومن ثم كان ذلك هو السبب في جعل النسق (1) كامنا .
(1)
ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ / ــــ
(2)
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ

( ب ) ينتشر التوازن المقطعي في كامل النسق (1) أدناه ، كما ينتشر في كامل النسق (2) أيضا. غير أن في النسق الثاني دورية لا تتوفر في النسق الأول ( فهناك عدد متساو من المقاطع الطويلة بين كل مقطعين قصيرين في النسق الثاني ؛ وليس ذلك هو الحال في النسق الأول)  .
(1)
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ
(2)
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ

( ج ) هناك ، في النسق (1) أدناه ، توازن مقطعي أكبر بقليل مما هو في النسق (2) ؛ فالتوازن المقطعي متغلغل في كامل النسق (1) ، إلا أنه في النسق (2) منحصر في الجزء الذي يسبق الخط المائل . وعلى كل حال فإن هذا الاختلاف أكبر من أن يعادل بالاختلاف في الدورية؛ ففي النسق (2) هناك مقطع واحد يجب حذفه حتى تتم دورية المقاطع القصيرة (إذ كل واحد يحدث بعد مقطعين طويلين) ، وفي النسق (1) هناك ثلاثة مقاطع يجب إضافتها لكي تجعل للمقاطع القصيرة دورية ( كل واحد يحدث بعد ثلاثة مقاطع طويلة)  .
(1)
ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
(2)
ــــ / ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ  

 

المستوى الثالث : المغايرات variants
القواعد الرئيسة التي تحكم التغاير variation
هناك أربعة قواعد رئيسة تعمل في المستوى الثالث على إنتاج المغايرات ، ويخضع تطبيق هذه القواعد للشروط التالية:
 1-  في معظم الحالات ، تشتق المغايرات بشكل مباشر من تفاعيل المستوى الثاني، وأما المغايرات المشتقة من مغايرات أخرى فهي قليلة نسبيا . ويمكن القول، بشكل عام ، إن تلك القواعد الأربعة تعمل مع تفاعيل المستوى الثاني بوصفها مجالا domain لها أي (مدخلات) ( input).
 2-  عادة ما يتم تحويل تفعيلة معينة بواسطة قاعدة واحدة ، ولكن أحيانا ما تتحول التفعيلة بواسطة قاعدتين أو أكثر تعمل كل منها بشكل متزامن.
وفيما يلي عرض ومناقشة لهذه القواعد الأربعة :
 1-  قاعدة المزج Amalgamation
يمكن استبدال المكون ( بب ) بمقطع طويل ( مثلا : بب ـــ ب ـــ[تصير] ـــ ـــ ب ـــ ، ب ـــ بب ـــ [تصير] ب ـــ ـــ ـــ )
 2-  قاعدة التقصير في المستوى الثالث level 3 reduction :
يمكن تقصير أي مقطع طويل ما لم يكن مسبوقا، في نفس التفعيلة، بمقطع قصير. ( مثلا : ـــ ب ـــ [تصير] ب ب ـــ ، ب ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ب، ب ـــ ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ب ـــ ، ب ـــ ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ـــ ب ، ب ـــ ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ب ب ، ـــ ـــ ب ـــ [تصير] ب ـــ ب ـــ ، ـــ ـــ ب ـــ [تصير] ـــ ب ب ــــ ، ـــ ـــ ب ـــ [تصير] ب ب ب ـــ ، ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ب ب ـــ ـــ ، ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ـــ ب ـــ ب ، ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ب ب ـــ ب)  .
 3-  قاعدة الحذف Deletion
يمكن حذف المقطع القصير إذا وقع: ( أ ) قبل مقطع طويل في بداية التفعيلة ، أو ( ب ) بين مقطعين طويلين في وسط التفعيلة. وأما المقطع الطويل فيمكن حذفه إذا ما وقع بعد مقطع طويل آخَر في آخِر التفعيلة. وفيما يلي أمثلة على ذلك :
( أ ) ب ـــ ـــ [تصير] ـــ ـــ ، ب ـــ ـــ ـــ [تصير] ـــ ـــ ـــ ، ب ـــ بب ـــ [تصير] ـــ بب ـــ
( ب ) ـــ ب ـــ [تصير] ـــ ـــ ، ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ـــ ـــ ـــ ، بب ـــ ب ـــ [تصير] بب ـــ ـــ
( ج ) ب ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ، ب ـــ ـــ ـــ [تصير] ب ـــ ـــ ، ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ـــ ب ـــ
( د ) ب ـــ ـــ [تصير] ـــ
( هـ) ـــ ب ـــ ـــ[تصير] ـــ ـــ
وبالنسبة إلى قاعدتي التقصير والحذف في المستوى الثالث ، فإن المكون ( بب ) يسلك مسلك المقطع الطويل على الرغم من أن هذا المسلك ينتج عنه مغايرات نادرة
( مثلا : ب ـــ بب ـــ [تصير] ب ـــ ب ـــ ، بب ـــ ب ـــ [تصير] بب ب ب ـــ ، ب ـــ بب ـــ [تصير] ب ـــ بب).
 4-  قاعدة الإضافة Addition
قد يضاف ، في بعض الأحيان ، مقطع إلى التفعيلة ، نحو: بب ـــ ب ـــ [تصير] بب ـــ ب ـــ ـــ
وفي كل من التحولات التالية ، هناك قاعدتان تعملان بشكل متزامن :
( أ ) ب ـــ ـــ [تصير] ـــ ب
(ب) ـــ ب ـــ [تصير] ب ب ـــ ـــ
(ج) ـــ ب ـــ ـــ [تصير] ب ب ـــ
وفي التحول التالي ، هناك ثلاثة قواعد تعمل معا: ب ـــ بب ـــ [تصير] ـــ ـــ ب
ومن بين هذه القواعد الأربعة ، فإن أقلها إنتاجية هي قاعدة الإضافة. وفيما يلي التحولات الشائعة بما فيها الإضافة ( من مدخلات التحول الأول ( أ) التفعيلة الأخيرة في مجزوء المتدارك، ومن مدخلات التحول الثاني (ب) التفعيلة الأخيرة في مجزوء الكامل  :
( أ) ـــ ب ـــ [تصير] ب ب ـــ ـــ
(ب) بب ـــ ب ـــ [تصير] بب ـــ ب ـــ ـــ ، ــــ ــــ ب ــــ ـــ ، ب ـــ ب ـــ ـــ ، ـــ ب ب ـــ ـــ
والقواعد السابقة تثبت وجود المبدأ الأساسي الذي يميز المستوى الثالث، وهنا ننوي في المناقشة التالية إلقاء الضوء على هذا المبدأ:
إن من الشيق ملاحظة أن تغييرات المستوى الثالث يمكن لها أن تنتج تناظرا مقطعيا يتضمن دورية بسيطة في كامل الشطر أو في نسق أقصر (نحو تفعيلة ) . وإن الدورية البسيطة يمكن الحصول عليها حين يقع مقطع مفرد من نوع ما بين كل مقطعين من النوع الآخر . وتُظهر الأمثلة على ذلك كيف يمكن للنسق أن يكتسب دورية بسيطة من خلال تغيرات المستوى الثالث، كما يلي:
ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ [تصير] ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ [وتصير] ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ  [وتصير] ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ
ب ـــ ـــ [ تصير] ب ـــ ب
ب ـــ ـــ ـــ [ تصير] ب ـــ ب ــــ
ـــ ب ـــ ـــ [تصير ] ـــ ب ـــ ب
ـــ ـــ ب ـــ [تصير ] ب ـــ ب ـــ
ـــ ب ـــ ـــ [تصير ] ـــ ب ـــ
حتى أن أكثر الفحص ارتجالا ، لَيؤكد لنا إثبات أن الدورية البسيطة ليست هي الشكل الوحيد للتناظر المقطعي الذي يحدث في المستوى الثالث؛ فالنسق ب ب ـــ ـــ مثلا ( وهو المشتق من خلال قاعدة التقصير في المستوى الثالث من النسق ـــ ب ـــ ـــ ) يعد متناظرا على الرغم من خلوه من الدورية البسيطة ، وكذلك الأمر بالنسبة للنسق ـــ ـــ ب ـــ ـــ ( المشتق بواسطة قاعدتي المزج والإضافة من النسق بب ـــ ب ـــ ).
إن التناظر المقطعي يمكن أن يكون زمنيا durational ولكن ليس هيكليا structural ؛ فمثلا ليس هناك تناظر هيكلي في التفعيلة ب ب ـــ   ( مقارنة بالتفعيلة ب ـــ ب ) ، وإنما هناك تناظر زمني من حيث أن التتابع قابل للانقسام إلى نصفين متساويين في المدة .
هناك ، إذن ، أربع قواعد تعمل في المستوى الثالث يمكن لها أن تنتج تناظرا مقطعيا. ومن الضروري هنا التأكيد على أن الشكل المعين للتناظر المقطعي يمكن بلوغه من خلال تطبيق قاعدة واحدة ولكن ليس من خلال تطبيق القاعدة الأخرى، وأن جعل نسق معين تناظريا يمكن تيسيره بواسطة قاعدة واحدة لا بأخرى . وفيما يلي مثالان على ذلك :
 1-  تأمل النسق (أ) أدناه ( وهو الشكل القياسي لمجزوء الرمل)  :
( أ ) ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ب ـــ ـــ
تلاحظ أن الدورية البسيطة خلال الشطر لا يمكن الوصول إليها عن طريق الحذف وحده ؛ وإنما يمكن بلوغها من خلال تغيير كل تفعيلة
( بواسطة التقصير المقطعي في المستوى الثالث ) إلى ـــ ب ـــ ب ، هكذا :
ـــ ب ـــ ب | ـــ ب ـــ ب
ومن ناحية أخرى ، فإن التفعيلة الثانية من ( أ ) يمكن إخضاعها لعملية تحويل عن طريق قاعدة الإلغاء ليسقط بذلك المقطع الأخير الطويل.
وكنتيجة لذلك ، فإن الشطر يمكن له أن يكتسب شكلا من التناظر لم يكن ممكنا بلوغه من خلال عملية التقصير في المستوى الثالث وحدها:
ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ب ـــ
 3-  تأمل الشطر ( ب ) أدناه ، ( وهو الشكل القياسي للرجز )
( ب ) ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ
تلاحظ أن الشطر لا يمكن جعله تناظريا من خلال الحذف ؛ وإنما يمكن ذلك عن طريق تغيير كل تفعيلة بشكل دوري ( من خلال قاعدة
التقصير في المستوى الثالث ) لتصبح كل تفعيلة ب ـــ ب ـــ ، هكذا :
ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ
ومن المهم عند هذه النقطة مناقشة الجوانب الأربعة لتغييرات المستوى الثالث، وهذه الجوانب هي :
الأثر على الأنساق ، وغاية التطبيق ، والقيود على التطبيق ، ومجال التطبيق .

 

الأثر على الأنساق :

 1-  يمكن لتغييرات المستوى الثالث ، كما تم شرح ذلك من قبل ، أن تنتج تناظرا مقطعيا في الشطر بأكمله أو في نسق أقصر من ذلك .
وقد لا يتطلب الحصول على التناظر المقطعي في نسق معين أكثر من تغيير واحد، ولكن ربما تطلب عدة تغييرات. وما يلزم التأكيد عليه هنا أن التتابعات التي ينقصها التناظر، وكان انتاجها على سبيل التناظر المقطعي، تعد أنساقا مقبولة . ( ولذا يعد ناتج كل من التحولات التالية شطرا مقبولا :
ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ [تتحول إلى] ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ [ وتتحول إلى] ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ب ـــ [وتتحول إلى] ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ | ب ـــ ب ـــ )
لذلك يمكن لنا الاستنتاج بأن المبدأ الذي يميز المستوى الثالث هو الميل للحصول على التناظر المقطعي في كامل الشطر أو في جزء منه.  وإن إضفاء التناسق أو التناظر على تفعيلة ما يمكن له أن يجعل النسق الطويل تناظريا (نحو تغيير التفعيلة الأولى في النسق

  ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ب ـــ لتصبح ــــ ب ــــ ب ). ومن ناحية أخرى ، يمكن لتغييرات المستوى الثالث أن تضفي التناظر على النسق من غير الحاجة إلى جعل التفاعيل المفردة التي تؤلف ذلك النسق تناظرية ( وربما كان الأمر كذلك لو أن التتابع ب ـــ ـــ ـــ | ب ـــ ـــ هو التفعيلتان الأخيرتان للبحر القياسي:  ب ـــ ـــ ـــ | ب ـــ ـــ ــــ | ب ـــ ـــ وقد جرى تحويلهما إلى الشكل ب ـــ ـــ | ب ـــ ـــ ).
وبدلا من جعل الأنساق التي تفتقر إلى التناسق تناظرية، فإن تغييرات المستوى الثالث تعمل على إحلال شكل من التناظرية محل آخر، نحو :ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ب ـــ [ تصير] ـــ ب ـــ ب | ـــ ب ـــ
وكم يبدو الميل قويا للحصول على تناظر مقطعي كذلك الذي يواجهه المرء أحيانا في تغييرات المستوى الثالث التي لا تحكمها القواعد العامة وإن كانت تسفر عن تناظر مقطعي. انظر مثلا التحولات التالية :
( أ ) ـــ ب ـــ ب | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ب [ تصير] ـــ ب ـــ ب | ـــ ـــ ب ب | ـــ ب ـــ ب
( ب) ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ [ تصير] ـــ ب ـــ ـــ | ب ـــ/ ب ب | ـــ ب ـــ ـــ
( ج) ب ـــ ب ـــ | ب ب / ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ [ تصير] ب ب ـــ ب ـــ | ب ب / ـــ | ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ
إن التحول ( أ ) ينتج ، على نحو كامل ، شطرا تناظريا ، وأما التحول ( ب ) فينتج شطرا يتألف من نصفين تناظريين ( تم الفصل بينهما بشرطة مائلة ). ويلاحظ أن تقصير المقطع الأخير في ( ـــ ـــ ب ــــ ) ينتهك القاعدة العامة من قواعد تقصير المستوى الثالث.
ومن الممكن أن نذكر في معرض الكلام أن ناتج التحول الأول يعرض، نوعا ما، شكلا شيقا من التناظر المقطعي . فبالبدء من الطرفين ، ثم التحرك نحو الوسط، نجد أن المقاطع المناظرة غير متماثلة على الدوام، ونفس الشكل من التناظر يميز التتابع الذي يلي الخط المائل في ناتج التحول الثاني .
وفي جانب المدخلات من التحول (ج) ، فإن التتابع الذي يسبق الخط المائل لا يعد تناظريا ، بينما في جانب المخرجات منه يعد التتابع الذي يسبق الخط المائل تناظريا. وهذا التتابع الأخير هو نفسه الأول زائدا المقطع المضاف عن طريق التحويل، وبعبارة أخرى ، فإن المقطع المضاف عن طريق التحويل يؤدي دور عمليةالتوازن” للمقطع المتوسط في ( ب ب ـــ ) . وبشكل بالغ الأهمية ، تعد إضافة المقاطع في مبتدأ الشطر نادرة .
إن العملية التي شرحناها من خلال التحول (ج) معروفة عند العروضيين العرب بالخزم ، ووظيفتها التي طمستها نظرية الخليل قولهم إن الخزم ظاهرة غير ذات معنى، بل وغير متوقعة، حتى أن بعض العروضيين عدها زيادة لا مبرر لها fabrication . ولكن في سياق نظريتنا هذه نعد الخزم برمته مقبولا ظاهرا plausible ، ولذا فنحن لسنا في حاجة إلى مزاعم ( الفبركة ) تلك .

 2-  تنتج تغيرات المستوى الثالث تجانس نوع صوتيا assonance type.. تلك العلاقة التي تربط بين تفعيلة المستوى الثالث وبين أي مغاير لها. إن
تجانس النوع الصوتي قابل للانقسام إلىتجانس نوع أكبر” و ” تجانس نوع أصغر“:
( أ ) يوجد تجانس النوع الرئيسي بلا استثناء ، أو على الأقل باستثنائين اثنين ، عندما يكون كل مكوِّن constituent للمغاير مطابقا للمكون المقابل
في تفعيلة المستوى الثالث ( وفي هذا السياق ، المكون هو: بب ، أو ب ، أو ــــ ). 
فمثلا ، يربط تجانس النوع الرئيسي بين تفعيلة المستوى الثاني ( ب ــــ ــــ ــــ ) بكل من المغايرين ( ب ــــ ــــ ) و( ب ــــ ب ــــ) إن التفعيلتين  ( ب ــــ ــــ ـــــ ) و ( ب ــــ ــــ ) مرتبطتان كل منهما بالأخرى بواسطة تجانس النوع الأكبر من جهة أن كل مكون من التفعيلة الأخيرة مطابق
للمكون المقابل من التفعيلة الأولى ؛ وأما التفعيلتان ( ب ــــ ــــ ــــ ) و ( ب ــــ ب ــــ ) فمرتبطتان كل منهما بالأخرى بواسطة تجانس النوع الأكبر من جهة أن مكونا واحدا فقط من التفعيلة الأخيرة ( وهو المكون ب المتوسط ) يبدو مختلفا عن المكون المقابل للتفعيلة الأولى .
وتجانس النوع الأكبر يربط أيضا تفعيلة المستوى الثاني ( ــــ ــــ ب ــــ ) بالمغاير ( ب ب ب ــــ ) من جهة أن مكونين اثنين من هذا المغاير الأخير (هما الأول والثاني ) مختلفان عن المكونين المقابلين في التفعيلة. وسوف نعتبر أن مغايرا معينا يرتبط بتفعيلة المستوى الثاني بواسطة تجانس النوع الأكبر” الأمثل” optimum وذلك حين يكون كل مكون في التفعيلة يطابق مثيله المقابل في المغاير. وإذا كان في المغاير مكونان اثنان غير مطابقين لنظيريهما المقابلين في التفعيلة فعندئذ يكون المغاير، في العادة، رباعي المكوناتquadripartite .
(ب) ويوجد تجانس النوع الأصغرحين يقابل التتابع ( ب ــــ ) في تفعيلة المستوى الأول التتابع ( ب ــــ ) في المغاير ( كمثال على ذلك، يربط تجانس
النوع الأصغر تفعيلة المستوى الثاني ( ــــ ب ــــ ــــ ) بكل من المغايرات ( ب ب ــــ ــــ )، و( ــــ ب ــــ ب )، و( ب ب ــــ ب )، و( ــــ ب ــــ ).
وأما تجانس النوع الأكبر فهو يمكن أن يتضمن، أو حتى يؤلف ، تجانس نوع أصغر. إلا أن تلك ليست هي الحالة دائما ؛ قارن مثلا بين أشكال
تجانس النوع التي تكشف عنها الأزواج التالية:
ــــ ب ــــ ــــ ، ب ب ــــ ـــــ
ــــ ب ــــ ــــ ، ب ب ــــ ب
ــــ ب ــــ ــــ ، ــــ ــــ ـــــ
وبالنسبة إلى تجانس النوع الأكبر، يسلك المكون ( بب ) مسلك المقطع الطويل ولذا، فإن المغاير ( ــــ ــــ ب ــــ ) ينتمي إلى تفعيلة المستوى الثاني
الأصلية ( بب ــــ ب ــــ ) من خلال تجانس النوع الأكبر الأمثل.
إن تجانس النوع الصوتي لا يعد، بالضرورة، منتجا للوزن ؛ ذلك أن وظيفته لا تتجاوز إنتاج الأثر السمعي الذي يربط التفاعيل المغايرة بتفاعيل
المستوى الثاني وهو ما يساعد على التعرف علىالشطر القياسي الذي اشتق منه النسق المعين .
وفي معظم الحالات ، لا يعد تجانس النوع الأكبر ( بوصفه أثرا سمعيا ) كافيا للتعرف على تفعيلة المستوى الثاني التي اشتق منها المغاير المعين.
وفي كل من الأمثلة التالية، تجد المغاير الذي يسبق النقطتين المتراكبتين( : ) مرتبطا من خلال تجانس النوع الأكبر بكلا تفعيلتي المستوى الثاني اللتين
تليان هاتين النقطتين:
( أ ) ب ب ب ــــ : ــــ ــــ ب ــــ ، ــــ ب ــــ ــــ
 (ب) ــــ ب ب ــــ : ــــ ــــ ب ــــ ، ــــ ب ــــ ــــ
 (ج) ب ب ب ــــ : ــــ ــــ ب ــــ ، ب ــــ ــــ ــــ
 ( د ) ب ب ــــ : ــــ ب ــــ ، ب ــــ ــــ
وعلى العموم ترتبط المغايرات بتفاعيل المصدر ( المستوى الثاني ) بواسطة كل من تجانس النوع الأصغر والأكبر أيضا. ففي كل من الأمثلة أعلاه يرتبط المغاير من خلال كل من تجانسي النوع الأكبر والأصغر بأولى تفعيلات المستوى الثاني ، ويرتبط من خلال تجانس النوع الأكبر وحده بثاني تفعيلات المستوى الثاني، ولذلك فإن تمييز المغاير يتم من خلال أولى تفعيلات المستوى الثاني.
وأما المغاير الذي يرتبط من خلال تجانسي النوعين الأكبر والأصغربمجموعة من تفعيلات المستوى الثاني فهو عادة ما يكون مع عدد من تفاعيل هذه المجموعة سواء بسواء ( مثلا يستوي المغاير ب ــــ ب ــــ مع التفعيلة ب ــــ ــــ ــــ ، أو ب ــــ بب ــــ ، أو بب ــــ ب ــــ ) .
وأحيانا ما يرتبط المغاير بواسطة تجانس النوع الأكبر مع مجموعة من تفعيلات المستوى الثاني ، ولكنه، بواسطة تجانس النوع الأصغر، لا يرتبط مع أي من أفراد المجموعة ؛ هنا يستوى المغاير، عادة ، مع تفعيلة المستوى الثاني إذا كان هذان الاثنان يظهران تجانس نوع أكبر وأمثل . إن المغاير( ــــ ــــ ــــ ) يرتبط من خلال تجانس النوع الأكبر مع كل تفعيلة في المجموعة التالية :
( ــــ ب ــــ ــــ ، ــــ ــــ ب ــــ ، بب ــــ ب ــــ ، ب ــــ ــــ ــــ ، ب ــــ ــــ ، ــــ ب ــــ ) ومع ذلك، فإن المغاير الذي نحن بصدده يستوي فقط مع الأفراد الأربعة الأوائل من المجموعة . إن تجانس النوع الأكبر الأمثل يربط بين ( ــــ ــــ ــــ ) و ( ــــ ب ــــ ــــ ) لأٍن المكون الأول من كل تفعيلة يعد طويلا وكذلك المكون ما قبل الأخير ومثله المكون الأخير، ويربط تجانس النوع الأكبر الأمثل بين ( ــــ ــــ ــــ ) و( ــــ ــــ ب ــــ ) بمثل ما يربط بين ( ــــ ــــ ــــ ) و ( بب ــــ ب ــــ ) ذلك لأن المكون الأول في كل من التفاعيل الثلاثة يعد طويلا ، وكذلك المكون الثاني ، ومثلهما المكون الأخير، يعدان طويلين أيضا .

ويربط تجانس النوع الأكبر الأمثل بين ( ــــ ــــ ــــ ) و ( ب ــــ ــــ ــــ ) حين يقع المكون الأول للتفعيلة الأولى في مكان المكون الثاني للتفعيلة الثانية .
وعندما يجعل تجانس النوع تحديد متغير ما مع أكثر من تفعيلة بالمستوى الثاني ممكنا، يصبح من الممكن، أيضا، إزالة الغموض بدراسة الشطر كوحدة
واحدة أو بدراسة الأشطر الأخرى في نفس القصيدة ( تذكر أن أشطر القصيدة العربية القديمة كلها ذات وزن واحد ) . كمثال على ذلك ، تأمل الشطرين
التاليين ( وكلاهما يقعان في نفس القصيدة):
( أ ) ب ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
 (ب ) ــــ ــــ ب ــــ | ب ب ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ
إن تحديد التفعيلة الأولى في الشطر ( أ ) يجب أن يجري من خلال تفعيلة المستوى الثاني ( ــــ ــــ ب ــــ ) مع أنها ترتبط ، من خلال تجانس النوع ، بالتفعيلة ( ب ــــ ــــ ــــ ) بمثل ما ترتبط بالتفعيلة ( ــــ ــــ ب ــــ ) أيضا . ولقد سهل لنا هذا الاستنتاج حقيقة أن النسق التالي : ( ب ــــ ــــ ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ )
لا يعد بحرا قياسيا ، وكذلك حقيقة أن التفعيلة الأولى في ( ب ) هي ( ــــ ــــ ب ــــ )  .  

 

غاية التطبيق :

تقدم تغيرات المستوى الثالث قدرا من التنوع الوزني ؛ فمثلا ، تعد كل التتابعات التالية مغايرات لمجزوء الكامل :
ــــ ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ـــــ
بب ـــــ ب ــــ | ــــ ـــــ ب ـــــ
بب ــــ ب ـــــ | بب ــــ ــــ
بب ــــ ب ـــــ | بب ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ ــــ
بب ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ ــــ
ولا تختلف هذه التتابعات عن بعضها البعض فحسب؛ وإنما تختلف عن الشكل القياسي أيضا، وهو الشكل

 ( بب ـــ ب ـــ | بب ـــ ب ـــ).
ولا شك أن توفر مثل هذه البدائل في المستوى الثالث يعمل على منح الشاعر بعضا من الحرية في انتقائه للألفاظ ، كما تعمل تغيرات المستوى الثالث على تعزيز التنوع وذلك من خلال تعزيزها للانتظام المقطعي syllabic symmetry ، انظر مثلا النسقين التاليين :
( أ ) ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ
(ب) ــــ ب ــــ ب | ــــ ب ــــ ب | ــــ ب ــــ
إن النسق ( أ ) هو الشطر القياسي للرمل ، وأما النسق (ب) فهو مشتق من ( أ ) بواسطة تقصير المستوى الثالث . والشطران كلاهما منتظمان، غير أن كلا منهما يجسد شكلا من الانتظام المقطعي متميزا عن الآخر، الأمر الذي يسهم في إحداث التنوع حال وقوع الشكلين معا في نفس القصيدة .
التنوع ، إذن ، هو الغاية الأساسية لتغيرات المستوى الثالث ، كما أن النوع المقصود من هذا التنوع هو ذلك الذي يطمح إلى الاستفادة من الانتظام المقطعي ، وفوق ذلك هو الذي يتشكل من خلال تجانس النوع حرصا على حفظ هوية الوزن القياسي.

القيود على التطبيق :

 1-  يقيد تجانس النوع تغيرات المستوى الثالث بالطرق التالية :
( أ ) يتم تحويل تفعيلة المستوى الثاني عادة بواسطة قاعدة واحدة. ولا تتحول بواسطة قاعدتين، تعملان معا، أو أكثر إذا لم يكن ينتج عن هذا التحويل ما يعرف بتجانس النوع ، ولذا نرى ( ب ــــ ــــ ــــ ) لا تتحول إلى ( ــــ ب ب )  .
 (ب) وتعرض بعض المغايرات تجانس نوع رئيسي أقل من البعض الآخر. فمثلا، هناك تجانس نوع رئيسي بين ( ب ب ــــ ب ) وبين تفعيلة المستوى الثاني ( ــــ ب ــــ ــــ ) أقل مما بين ( ب ب ــــ ــــ ) وبين نفس تفعيلة المستوى الثاني تلك . فالمغايرات التي تعرض تجانس نوع أقل تعد قليلة نسبيا ونادرة الحدوث كذلك . وبمعنى آخر ، لا يسمح في العادة لمغايرات المستوى الثالث أن تطبق إلى حد ما يكون من شأنه أن تعجز فيه عن إنتاج الحد الأدنى من تجانس النوع الأكبر.
 (ج‌) ويصعب في بعض المغايرات إدراك تجانس النوع الأكبر بسهولة. فمثلا، يبدو تجانس النوع الأكبر الذي يربط المغاير( ـــ ـــ ب)
بالتفعيلة الأساسية ( ب ــــ ــــ ــــ ) واضحا فقط عندما يكون المكون الأول للسابق مرتبطا بالمكون الثاني للآخر. وعادة ما لا يسمح بتغيرات المستوى الثالث بوجه من الوجوه يمكن أن ينتج عنها تجانس نوع رئيسي غير واضح . وفي دراستنا هذه ، تعني عبارة تجانس نوع ” واضح ” معنى نقيضا لتجانس نوع ” غير واضح ” ؛ فالعبارة الأولى تصدق حين يترسخ تجانس النوع من غير ما حاجة إلى تخطي مقطع.
 ( د ) وكما ذكر سابقا ، يشتق المغاير في العادة من تفعيلة المستوى الثاني. إن المغاير يشتق من مغاير آخر فقط حين لا يعمل هذا الاشتقاق على تقصير تجانس النوع الرئيسي الواضح ؛ وبمعنى آخر فإن المغاير ( ج ) يشتق من المغاير ( ب ) في حال كون تجانس النوع الرئيسي الواضح الذي يربط ( ج ) بتفعيلة المستوى الثاني ( أ ) ليس بأقل مما يربط ( ب ) بالتفعيلة ( أ ) ( مثلا ، تفعيلة المستوى الثاني( بب ــــ ب ــــ ) تؤدي إلى إنتاج ( بب ــــ ــــ ) وهذه بدورها تنتج ( بب ــــ)) .
 2-  عادة ما تمتنع تغييرات المستوى الثاني حين ينتج عنها اضطراب بين وزن وآخر ، وفيما يلي مثالان على ذلك :
أ – يمتنع التحول التالي عادة حين يؤدي إلى الخلط بين الكامل والرجز :
من ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ ) إلى ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ  )
ب – وعادة ما تمتنع التحولات التالية حين تؤدي إلى تحويل الشكل القياسي للرمل والشكل القياسي لمجزوء البسيط إلى أنساق غير معروفة ، نحو: من ( ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ) إلى ( ــــ ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ـــ )
ومن ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ ) إلى ( ــــ ــــ ــــ | ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ب ــــ )
وأحيانا ما يتم غلق التحولات لمجرد الإبقاء على البحور المختلفة متميزة بشكل واضح عن بعضها البعض ، فمثلا تغلق التحولات التالية في العادة من حيث كون منتجاتها output متماثلة بشكل كبير مع الشكل القياسي لبحر المتقارب ( المدخلات هي الشكل القياسي لبحر الطويل ):

( ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ ) إلى ( ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ ــــ )
ومرة أخرى،عادة ما يتم غلق التحول التالي لأن الناتج يمكن أن يكون مماثلا بشكل معتبر للتتابع (ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ |ب ــــ)الذي
يؤلف مغايرا لمجزوء المتقارب ( المدخلات هنا إحدى مغايرات المتقارب )  :
( ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ــــ ) إلى ( ب ــــ ــــ | ب ــــ ــــ | ب ــــ ب | ــــ
وحينما تنطمس هوية الوزن في شطر معين من خلال تغيرات المستوى الثالث فإن تحديده يتم عبر دراسة الأشطر الأخرى في نفس
القصيدة.
  3-   إن على تغيرات المستوى الثالث أن تعمل على تسهيل نمط تجانس العدد الموصوف فيما يلي ، كما أن عليها لزوم الغلق إذا انتهكت ذلك النمط.
وتتألف القصيدة العربية القديمة في العادة من أبيات قسمت إلى شطرين؛ أي بمعنى آخر، تتألف هذه القصيدة من عمودين من الأشطر.  وفي كل عمود منهما ، ترتبط التفعيلات الأخيرة ببعضها البعض من خلال تجانس العدد ؛ أي أن لها جميعا نفس العدد من المكونات. غير أن التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول ( تفعيلة العروض ) قد تنتهك تجانس العدد من حيث أنها يلزم أن تحافظ على نفس عدد المكونات التي لتفعيلة الضرب، وفيما يلي أمثلة على ذلك :
ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ ………. ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ
ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ………….. ب ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ـــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ………….. ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ………….. ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ………….. ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ

ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ………. ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ
ب ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ …… ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ …… ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ ــــ …… ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ
ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ ….. ــــ ب ــــ ــــ | ب ب ــــ

 4-  وبشكل عام ، فإن تغيرات المستوى الثالث لا تقوم بطمس جميع أنماط الإنتاج الوزني، وللدلالة على ذلك لنتأمل التحويلات التالية :
 (بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ ) تصير ( ــــ ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ | بب ــــ ب ــــ )
 ( ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ ) تصير ( ب ب ــــ ب | ــــ ب ــــ ــــ | ــــ ب ــــ  )
ففي التحويلة الأولى ، لم يقم التغير الحادث بطمس أشكال التنميط الموجودة من قبل ؛ وظل الشطر ، قبل التغير وبعده، ممثلا بالشكل الأساسي ( ب ب ب ) حيث ( ب ) تشير إلى تفعيلة رباعية ( فاعولاتن ) . وبالإضافة إلى ذلك ، لم يمس التغير التناسب القائم بين التفاعيل الثلاثة فيما يتعلق بوضع المقطع القصير ( ب ) بالنسبة إلى المقاطع الطويلة. والوضع في التحويل الثاني مشابه للأول ، فالشطر ، قبل التغير وبعده ، يمكن تمثيله بالشكل الأساسي ( ب ب أ ) حيث تشير ( ب ) إلى تفعيلة رباعية ( فاعولاتن) ، وتشير (أ) إلى تفعيلة ثلاثية ( فاعولن ). وبالإضافة إلى ذلك ، لم يمس التغير التناسب القائم بين التفعيلتين الأخيرتين فيما يتعلق بوضع المقطع القصير بالنسبة إلى المقاطع الطويلة .
وكلا التحويلتين تعدان جائزتين من حيث أنهما تعززان التنوع القائم في الشطر من غير أن يسلباه نمط الإنتاج الوزني .
وما لم يتم منع تغيرات المستوى الثالث من القيام بذلك السلب، عبر بعض القيود المفروضة عليه، فإن بإمكانها أن تجعل الشطر يفقد وزنه كما تدل على ذلك التحويلة التالية :
( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ب ــــ ــــ ) حين تتحول إلى ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ــــ )

 فالشطر ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ــــ ) خالٍ من نمطي المستويين الأول والثاني ، وفوق ذلك فإن التناسب المقطعي فيه لا يكفي لأن يمنح الشطر قدراً من الوزن ( فما لم يتكرر وقوع التناسب المقطعي أو يغلب على الشطر بأكمله فلن يمكنه أن يكون المصدر الوحيد للوزن ــــ ملاحظة للمؤلف بالهامش ) . وتشير حقيقة أن الأشطر من نحو ( ــــ ــــ ب ــــ | ــــ ــــ ــــ ) هي من قبيل النادرة في الشعر العربي، تشير هذه الحقيقة إلى أن تغيرات المستوى الثالث لا يسمح بتطبيقها إلى الحد الذي يؤدي إلى حذف جميع أنماط الإنتاج الوزني . وعادة ما يتم إحلال بعض أشكال التناسب المقطعي محل أي نمط تمحوه تغيرات المستوى الثالث .
 5-  يجب ألا تتسبب تغيرات المستوى الثالث في جعل الشطر محتويا على أكثر من ثلاثة مقاطع قصيرة متعاقبة، ولا في جعله يحتوي على أكثر من أربعة مقاطع طويلة. وعليه ، يمتنع التحول التالي :
 (ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ | ـــ ـــ ب ـــ) حين يتحول إلى ( ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ | ـــ ـــ ب ـــ )
ويمكن اعتبار بحر المنسرح ووزنه : (ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ ب | ـــ ـــ ب ـــ ) يمثل محاولة لإجراء هذا التحول من غير أن يعد منتهكا لهذا القيد. وعلى الرغم من وجود تعاقبات لثلاثة مقاطع قصيرة في الأشطر المغايرة إلا أن المستحب فيها أن لا تزيد عن مقطعين قصيرين ، وتؤكد الأمثلة التالية على صحة هذا القول:
( أ ) من بين الشطرين المغايرين للهزج ووزنه : ( ب ـــ ـــ ـــ | ب ـــ ـــ ـــ ) يعد الأول منهما نادر الحدوث بينما يعد الثاني شائعا:
ـــ ب ب | ب ـــ ـــ ـــ)
( ب ـــ ـــ ب | ب ـــ ـــ ـــ )
( ب ) إن التفعيلة ( ب ب ب ـــ ) نادرة الحدوث نسبياً .
 6-  ولأن المقطع الأخير في كلا شطري البيت تتبعه وقفة ، وبسبب كذلك من دوره في إبراز القافية ، فإنه لا بد أن يكون طويلا؛ ولذلك فإن تغيرات المستوى الثالث لا يجب أن ينتج عنها حدوث مقطع قصير في نهاية الشطر. ومع أن الشطر الأول من البيت تتبعه وقفة مما يستلزم الطول في مقطعه الأخير ؛ إلا أن ذلك الشرط فيه يكون أقل التزاما مما هو في نهاية البيت.

مجال التطبيق :

كنا قد بينا في القسم الأول من هذا البحث، أن مجال مستوى البحور النظرية هو الشطر، وأن هذا الشطر لا يمكن له أن يتألف من نسق قصير بالنظر إلى طبيعة الأنماط النظرية في هذا المستوى. فأما تغيرات المستويين الثاني والثالث فهي تتميز بالأنماط المقطعية. كما يمكن أن يشمل مجال الأنماط المقطعية كامل الشطر أو جزءا منه ( سواء كان ذلك الجزء تفعيلة واحدة أو أكثر)  . وفي المستوى الثاني فإن مجال الأنماط المقطعية يمكن أن يحتل الشطر كاملا بينما يحتل هذا المجال، في المستوى الثالث، كامل الشطر أو جزءا منه. وتنطبق القواعد التي تنتج أنماط المستوى الثالث على التفعيلة الواحدة مما يعني أن التفاعيل تتحول تباعا وليس في وقت واحد، وأنه يجب على التفعيلة التي تحولت أن تبلغ شكلها النهائي قبل أن تخضع تفعيلة أخرى للتغيير.
ولا يعد تحويل تفعيلة واحدة سببا مجبرا لتحويل تفعيلة أخرى؛ ومع ذلك فثمة حالات نادرة تستلزم ذلك التحويل ، نحو :
( 1)
تأمل الشطر التالي ، وهو الشكل القياسي لبحر الطويل:
ب ـــ ـــ | ب ـــ ـــ ـــ | ب ـــ ـــ | ب ـــ ـــ ـــ
إن تغيير التفعيلة الأخيرة لتصبح ( ب ـــ ـــ ) يمكن أن يؤدي ، في ظل غياب تغيير آخر ، إلى جعل الشطر متميزاً ، في حده الأدني وليس بشكل واضح، عن بحر المتقارب. ولهذا السبب فإن التغيير المقصود يتضمن تغييرا آخر، وهو أن تتحول التفعيلة ما قبل الأخيرة إلى الشكل (ب ـــ ب) . وأما الأمر الذي له مغزاه هنا ( والمؤلف يستند في ذلك إلى قول لـ wright في كتابه قواعد اللغة العربية ) فهو أن التفعيلة ما قبل الأخيرة في المتقارب غالبا ما لا تتحول إلى الشكل ( ب ـــ ب )  .  
 ( 2 )  تأمل الشطر التالي ، وهو الشكل القياسي لبحر المجتث:   ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ
إن هذا النسق يوضح شكل أنماط المستوى الأول ( من حيث يمكن تمثيله بالرمزين ( ب ب ) اللذين يشيران إلى تفعيلتين رباعيتين ) كما يوضح شكل أنماط المستوى الثاني ( من حيث أن تفعيلتيه متشابهتان بالنظر إلى موضع المكون ( ب ) فيهما ) ، ومن الممكن لتغييرات المستوى الثالث أن تعمل على طمس هذين الشكلين من الأنماط على النحو التالي :
 ( أ ) ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ (حين تصير) ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ
 ( ب) ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ ( حين تصير) ب ـــ ب ـــ | ـــ ب ـــ ـــ ( وتصير ) ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ
إن التحويلة ( أ ) تنتج لنا شطرا يفتقر إلى شكل أنماط المستويين الأول والثاني ، كما أن الانتظام المقطعي ، فوق ذلك ، لا يعد كافيا لكي يهب الشطر المقصود الوزن. وأما التحويلات المشار إليها بالرمز ( ب ) فهي ، من ناحية أخرى ، تنتج شطرا ( على الرغم من خلوه من شكلي أنماط المستويين الأول والثاني ) يبرز فيه الوزن بوضوح لأن كلا تفعيلتيه منتظمتان. وعلى ذلك فإن التحويلة ( أ ) تعد أقل احتمالا في حدوثها من التحويلة ( ب )  .  
إن مطلع القصيدة التي وزنها على بحر المجتث ، وينتهي شطرها بالنسق ( ـــ ـــ ـــ ) ليقدم لنا مثالا في صدد الموضوع ؛ فهذا النسق يعد مغايرا منتظما للتفعيلة ( ـــ ب ـــ ـــ ) وهو مستحب لإنهاء مثل هذه المطالع . وإذا اختير النسق ( ـــ ـــ ـــ ) ليكون نهاية لصدر المطلع فإن من المحتمل كثيرا أن يأتي عجز المطلع على النحو ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ من أن يأتي على النحو ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ ( لاحظ أن ب ـــ ب ـــ هي مغاير منتظم للتفعيلة ـــ ـــ ب ـــ ).  
[ وللتدليل على هذه الفكرة يشير المؤلف في الهامش إلى بيتين للشيخ على الشرقي، اقتبسهما من كتاب شرح تحفة الخليل، من قوله:
مسكت قلبي لما ………… مسكته مذعورا
بعض القلوب طيورٌ…. لم تستطع أن تطيرا
وهو يرى أن فحص هذين البيتين يكشف عما يلي :
 ( أ ) أن الشطر الأول ينتهي ( عنده ! ) بالنسق ( ـــ ـــ ـــ ) ، وهو بدوره مشتق من التفعيلة ( ـــ ب ـــ ـــ )  .
 (ب‌) وعلى هذا النحو ينتهي الشطر الثاني بالنسق ( ـــ ـــ ـــ ) المشتق بدوره من التفعيلة ( ـــ ب ـــ ـــ ).  
 (ت‌) وأن الشطر الثاني يتألف من ( ب ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ ) بدلا من ( ـــ ـــ ب ـــ | ـــ ـــ ـــ )] .
هنا، إذن، وضع يتضمن فيه تغيير تفعيلة واحدة، في الشطر القياسي، تغييرا في تفعيلة أخرى .
والخلاصة ، أنه ليس من المحتمل أن يفرض تغيير إحدى التفاعيل تغييرا في تفعيلة أخرى اللهم إلا إذا كان الشطر، لولا ذلك التغيير، يمكن له أن ينتهك قيدا أو يمكن أن يسلب منه الوزن .

التعويض :

وبالإضافة إلى ما سبق مناقشته ، فإن ثمة قاعدة هامة تعمل في المستوى الثالث ، وأقصد بها قاعدة التعويض. تقرر هذه القاعدة أن المدة الكاملة للوزن القياسي تجنح إلى عدم التغير. ولذا ، فإن المقطع الطويل، حينما يقصر، فإن رصيد المدة الزائد يضاف إلى مقطع طويل مجاور في التفعيلة نفسها. [ وهنا يشير المؤلف في الهامش إلى موضع من كتاب د. إبراهيم أنيس يقول فيه : ” على أن هناك عملية لا شعورية يقوم بها المرء حين إنشاد الشعر يسميها المحدثون عملية التعويض ، وذلك بأن المقطع المتوسط إذا أصبح قصيرا عوض المنشد عن مثل هذا النقص، على تفاهته، بإطالة مقطع آخر مجاور له ، ليتحد زمن النطق بجميع الأشطر في القصيدة . ففي بحر مثلا كالطويل نرى المقطع الثالث من الشطر يطّرد في جعله قصيرا، أي أن التفعيلة ( فعولن ) تصبح ( فعولُ ). وهنا نرى المنشد دون أن يشعر ينشد ( فعولُ ) بإطالة المقطع الثاني ليعوض عن بعض النقص في المقطع الثالث . وهكذا يتحد زمن النطق بالتفعيلتين ( فعولن ) و ( فعولُ ) ، ويتحقق ما نسميه بالكم في الشعر العربي” ] أ.هـ .
مثل هذه الإضافة، إذن، تكون ممكنة عندما يتوفر مقطع مجاور ذو حركة طويلة، أو مقطع يكون ساكنه الأخير من الصوامت المستمرة continuent؛ وإلا فإن التعويض يأخذ شكل السكتة rest 
وواقع الأمر أن التعويض، إذ يميل إلى الحفاظ على القيمة الزمنية الكلية للوزن القياسي، فإنه يقترح أن يكون للمستوى الثاني، على الثالث، أفضلية حدسية ووصفية.